الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
مسألة قال -رحمه الله-: [وإذا تزوج بامرأة مثلها يوطأ فلم تمنعه نفسها, ولا منعه أولياؤها لزمته النفقة] وجملة ذلك أن المرأة تستحق النفقة على زوجها بشرطين: أحدهما: أن تكون كبيرة يمكن وطؤها فإن كانت صغيرة لا تحتمل الوطء, فلا نفقة لها وبهذا قال الحسن وبكر بن عبد الله المزنى والنخعي, وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي وهو المنصوص عن الشافعي وقال في موضع لو قيل: لها النفقة كان مذهبا وهذا قول الثوري لأن تعذر الوطء لم يكن بفعلها, فلم يمنع وجوب النفقة لها كالمرض ولنا أن النفقة تجب بالتمكين من الاستمتاع, ولا يتصور ذلك مع تعذر الاستمتاع فلم تجب نفقتها كما لو منعه أولياؤها من تسليم نفسها, وبهذا يبطل ما ذكروه ويفارق المريضة فإن الاستمتاع بها ممكن, وإنما نقص بالمرض ولأن من لا تمكن الزوج من نفسها لا يلزم الزوج نفقتها, فهذه أولى لأن تلك يمكن الزوج قهرها والاستمتاع بها كرها وهذه لا يمكن ذلك فيها بحال الشرط الثاني أن تبذل التمكين التام من نفسها لزوجها, فأما إن منعت نفسها أو منعها أولياؤها أو تساكتا بعد العقد فلم تبذل ولم يطلب, فلا نفقة لها وإن أقاما زمنا فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- تزوج عائشة ودخلت عليه بعد سنتين, ولم ينفق إلا بعد دخوله ولم يلتزم نفقتها لما مضى ولأن النفقة تجب في مقابلة التمكين المستحق بعقد النكاح فإذا وجد استحقت, وإذا فقد لم تستحق شيئا ولو بذلت تسليما غير تام بأن تقول: أسلم إليك نفسى في منزلى دون غيره أو في الموضع الفلانى دون غيره لم تستحق شيئا, إلا أن تكون قد اشترطت ذلك في العقد لأنها لم تبذل التسليم الواجب بالعقد فلم تستحق النفقة كما لو قال البائع: أسلم إليك السلعة على أن تتركها في موضعها, أو في مكان بعينه وإن شرطت دارها أو بلدها فسلمت نفسها في ذلك استحقت النفقة لأنها سلمت التسليم الواجب عليها ولذلك لو سلم السيد أمته المزوجة ليلا دون النهار, استحقت النفقة وفارق الحرة فإنها لو بذلت تسليم نفسها في بعض الزمان, لم تستحق شيئا لأنها لم تسلم التسليم الواجب بالعقد وكذلك إن أمكنته من الاستمتاع ومنعته استمتاعا لم تستحق شيئا لذلك. وإن غاب الزوج بعد تمكينها ووجوب نفقتها عليه, لم تسقط عنه بل تجب عليه في زمن غيبته لأنها استحقت النفقة بالتمكين ولم يوجد منها ما يسقطها وإن غاب قبل تمكينها, فلا نفقة لها عليه لأنه لم يوجد الموجب لها فإن بذلت التسليم وهو غائب لم تستحق نفقة لأنها بذلته في حال لا يمكنه التسليم فيه لكن إن مضت إلى الحاكم, فبذلت التسليم كتب الحاكم إلى حاكم البلد الذي هو فيه ليستدعيه ويعلمه ذلك فإن سار إليها, أو وكل من يسلمها إليه فوصل وتسلمها هو أو نائبه, وجبت النفقة حينئذ وإن لم يفعل فرض الحاكم عليه نفقتها من الوقت الذي كان يمكن الوصول إليها وتسلمها فيه لأن الزوج امتنع من تسلمها مع إمكان ذلك, وبذلها إياه له فلزمته نفقتها كما لو كان حاضرا وإن كانت الزوجة صغيرة, يمكن وطؤها أو مجنونة فسلمت نفسها إليه, فتسلمها لزمته نفقتها كالكبيرة وإن لم يتسلمها, لمنعها نفسها أو منع أوليائها فلا نفقة لها عليه وإن غاب الزوج, فبذل وليها تسليمها فهو كما لو بذلت المكلفة التسليم فإن وليها يقوم مقامها وإن بذلت هي دون وليها, لم يفرض الحاكم النفقة لها لأنه لا حكم لكلامها. قال: [وإذا كانت بهذه الحال التي وصفت وزوجها صبي أجبر وليه على نفقتها من مال الصغير, فإن لم يكن له مال فاختارت فراقه فرق الحاكم بينهما] يعنى إذا كانت المرأة كبيرة, يمكن الاستمتاع بها فمكنت من نفسها أو بذلت تسليمها, ولم تمنع نفسها ولا منعها أولياؤها فعلى زوجها الصبى نفقتها وبهذا قال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن والشافعي في أحد قوليه وقال في الآخر: لا نفقة لها وهو قول مالك لأن الزوج لا يتمكن من الاستمتاع بها, فلم تلزمه نفقتها كما لو كانت غائبة أو صغيرة ولنا أنها سلمت نفسها تسليما صحيحا, فوجبت لها النفقة كما لو كان الزوج كبيرا ولأن الاستمتاع بها ممكن, وإنما تعذر من جهة الزوج كما لو تعذر التسليم لمرضه أو غيبته وفارق ما إذا غابت, أو كانت صغيرة فإنها لم تسلم نفسها تسليما صحيحا ولم تبذل ذلك, فعلى هذا يجبر الولى على نفقتها من مال الصبى لأن النفقة على الصبى وإنما الولى ينوب عنه في أداء الواجبات عليه كما يؤدى أروش جناياته, وقيم متلفاته وزكواته وإن لم يكن له مال فاختارت فراقه, فرق الحاكم بينهما كما ذكرنا في حق الكبير فإن كان له مال وامتنع الولى من الإنفاق, أجبره الحاكم بالحبس فإن لم ينفق أخذ الحاكم من مال الصبي, وأنفق عليها فإن لم يمكنه وصبر الولى على الحبس, وتعذر الإنفاق فرق الحاكم بينهما إذا طلبت ذلك, على ما ذكرنا في حق الكبير وذكر القاضي في الكبير أنه لا يفرق بينهما فكذلك ها هنا مثله لأنهما سواء في وجوب الإنفاق عليهما, فكذلك في أحكامه. وإن بذلت الرتقاء أو الحائض أو النفساء, أو النضوة الخلق التي لا يمكنه وطؤها أو المريضة تسليم نفسها, لزمته نفقتها وإن حدث بها شيء من ذلك لم تسقط نفقتها لأن الاستمتاع ممكن, ولا تفريط من جهتها وإن منع من الوطء ويفارق الصغيرة فإن لها حالا يتمكن من الاستمتاع بها فيها استمتاعا تاما, والظاهر أنه تزوجها انتظارا لتلك الحال بخلاف هؤلاء ولذلك لو طلب تسليم هؤلاء وجب تسليمهن, ولو طلب تسليم الصغيرة لم يجب فإن قيل: فلو بذلت الصحيحة الاستمتاع بها دون الوطء لم تجب لها النفقة فكذلك هؤلاء قلنا: لأن تلك منعت مما يجب عليها, وهؤلاء لا يجب عليهن التمكين مما فيه ضرر فإن ادعت أن عليها ضررا في وطئه لضيق فرجها أو قروح به أو نحو ذلك, وأنكر هو أريت امرأة ثقة وعمل بقولها وإن ادعت عبالة ذكره وعظمه, جاز أن تنظر المرأة إليهما حال اجتماعهما لأنه موضع حاجة ويجوز النظر إلى العورة للحاجة والشهادة. قال: [وإن طالب الزوج بالدخول وقالت: لا أسلم نفسى حتى أقبض صداقى كان ذلك لها, ولزمته النفقة إلى أن يدفع إليها صداقها] وجملته أن للمرأة أن تمنع نفسها حتى تتسلم صداقها لأن تسليم نفسها قبل تسليم صداقها يفضي إلى أن يستوفى منفعتها المعقود عليها بالوطء ثم لا يسلم صداقها, فلا يمكنها الرجوع فيما استوفى منها بخلاف المبيع إذا تسلمه المشترى ثم أعسر بالثمن فإنه يمكنه الرجوع فيه فلهذا ألزمناه تسليم صداقها أولا, وجعلنا لها أن تمتنع من تسليم نفسها حتى تقبض صداقها لأنه إذا سلم إليها الصداق ثم امتنعت من تسليم نفسها أمكن الرجوع فيه فإذا ثبت هذا, فمتى امتنعت من تسليم نفسها لتقبض صداقها فلها نفقتها لأنها امتنعت بحق فإن قيل: فلو امتنعت لصغر أو مرض لم يلزمه نفقتها قلنا: الفرق بينهما أن امتناعها لمرض لمعنى من جهتها, وكذلك الامتناع للصغر وها هنا الامتناع لمعنى من جهة الزوج وهو منعه لما وجب لها عليه, فأشبه ما لو تعذر الاستمتاع لصغر الزوج فإنه لا تسقط نفقتها عنه ولو تعذر لصغرها, لا تلزمه نفقتها. إذا سافرت زوجته بغير إذنه سقطت نفقتها عنه لأنها ناشز وكذلك إن انتقلت من منزله بغير إذنه وإن سافرت بإذنه في حاجته, فهي على نفقتها لأنها سافرت في شغله ومراده وإن كان في حاجة نفسها سقطت نفقتها لأنها فوتت التمكين لحظ نفسها, وقضاء حاجتها فأشبه ما لو استنظرته قبل الدخول مدة فأنظرها إلا أن يكون مسافرا معها, متمكنا من استمتاعها فلا تسقط نفقتها لأنها لم تفوت التمكين فأشبهت غير المسافرة ويحتمل أن لا تسقط نفقتها, وإن لم يكن معها لأنها مسافرة بإذنه أشبه ما لو سافرت في حاجته وسواء كان سفرها لتجارة, أو حج تطوع أو زيارة ولو أحرمت بحج تطوع بغير إذنه سقطت نفقتها لأنها في معنى المسافرة وإن أحرمت به بإذنه, فقال القاضي: لها النفقة والصحيح أنها كالمسافرة لأنها بإحرامها مانعة له من التمكين فهي كالمسافرة لحاجة نفسها على ما ذكرناه وإن أحرمت بالحج الواجب, أو العمرة الواجبة في الوقت الواجب من الميقات, فلها النفقة لأنها فعلت الواجب عليها بأصل الشرع في وقته فلم تسقط نفقتها كما لو صامت رمضان وإن قدمت الإحرام على الميقات, أو قبل الوقت خرج فيها من القول ما في المحرمة بحج التطوع لأنها فوتت عليه التمكين بشيء مستغنى عنه. فإن اعتكفت فالقياس أنه كسفرها إن كان بغير إذنه فهي ناشز لخروجها من منزل زوجها بغير إذنه فيما ليس بواجب بأصل الشرع, وإن كان بإذنه فلا نفقة لها في قول الخرقي وقال القاضي: لها النفقة وإن صامت رمضان لم تسقط نفقتها لأنه واجب مضيق بأصل الشرع لا يملك منعها منه, فلم تسقط نفقتها كالصلاة ولأنه يكون صائما معها فيمتنع الاستمتاع لمعنى وجد فيه, وإن كان تطوعا لم تسقط نفقتها لأنها لم تخرج عن قبضته ولم تأت بما يمنعه من الاستمتاع بها, فإنه يمكنه تفطيرها ووطؤها فإن أراد ذلك منها فمنعته سقطت نفقتها بامتناعها من التمكين الواجب وإن كان صوما منذورا معلقا بوقت معين, فقال القاضي: لها النفقة لأن أحمد نص على أنه ليس له منعها ويحتمل أنه إن كان نذرها قبل النكاح أو كان النذر بإذنه لم تسقط نفقتها لأنه كان واجبا عليها بحق سابق على نكاحه, أو واجب أذن في سببه وإن كان النذر في نكاحه بغير إذنه فلا نفقة لها لأنها فوتت عليه حقه من الاستمتاع باختيارها بالنذر الذي لم يوجبه الشرع عليها, ولا ندبها إليه وإن كان النذر مطلقا أو كان صوم كفارة فصامت بإذنه, فلها النفقة لأنها أدت الواجب بإذنه فأشبه ما لو صامت المعين في وقته وإن صامت بغير إذنه, فقال القاضي: لا نفقة لها لأنها يمكنها تأخيره فإنه على التراخى وحق الزوج على الفور وإن كان قضاء رمضان قبل ضيق وقته, فكذلك وإن كان وقته مضيقا مثل أن قرب رمضان الآخر, فعليه نفقتها لأنه واجب مضيق بأصل الشرع أشبه أداء رمضان. قال: [وإذا طلق الرجل زوجته طلاقا لا يملك فيه الرجعة فلا سكنى لها, ولا نفقة إلا أن تكون حاملا] وجملة الأمر أن الرجل إذا طلق امرأته طلاقا بائنا, فإما أن يكون ثلاثا أو بخلع أو بانت بفسخ, وكانت حاملا فلها النفقة والسكنى بإجماع أهل العلم لقول الله تعالى:
فأما الملاعنة فلا سكنى لها ولا نفقة, إن كانت غير حامل للخبر وكذلك إن كانت حاملا فنفى حملها وقلنا: إنه ينتفى عنه أو قلنا: إنه ينتفى بزوال الفراش وإن قلنا: لا ينتفى بنفيه أو لم ينفه, وقلنا: إنه يلحقه نسبه فلها السكنى والنفقة لأن ذلك للحمل أو لها بسببه وهو موجود, فأشبهت المطلقة البائن فإن نفى الحمل فأنفقت أمه وسكنت من غير الزوج, وأرضعت ثم استلحقه الملاعن لحقه, ولزمته النفقة وأجرة المسكن والرضاع لأنها فعلت ذلك على أنه لا أب له فإذا ثبت له أب لزمه ذلك, ورجع به عليه فإن قيل: النفقة لأجل الحمل نفقة الأقارب وهي تسقط بمضى الزمان فكيف ترجع عليه بما يسقط عنه؟ قلنا: بل النفقة للحامل من أجل الحمل, فلا تسقط كنفقتها في الحياة وإن سلمنا أنها للحمل, إلا أنها مصروفة إليها ويتعلق بها حقها فلا تسقط بمضى الزمان, كنفقتها.
فأما المعتدة من الوفاة فإن كانت حائلا فلا سكنى لها ولا نفقة لأن النكاح قد زال بالموت, وإن كانت حاملا ففيها روايتان إحداهما لها السكنى والنفقة لأنها حامل من زوجها, فكانت لها السكنى والنفقة كالمفارقة في الحياة والثانية لا سكنى لها ولا نفقة لأن المال قد صار للورثة, ونفقة الحامل وسكناها إنما هو للحمل أو من أجله ولا يلزم ذلك الورثة لأنه إن كان للميت ميراث فنفقة الحمل من نصيبه, وإن لم يكن له ميراث لم يلزم وارث الميت الإنفاق على حمل امرأته كما بعد الولادة قال القاضي: وهذه الرواية أصح.
وهل تجب نفقة الحمل للحامل من أجل الحمل أو للحمل, فيه روايتان إحداهما: تجب للحمل اختارها أبو بكر لأنها تجب بوجوده وتسقط عند انفصاله فدل على أنها له والثانية, تجب لها من أجله لأنها تجب مع اليسار والإعسار فكانت له كنفقة الزوجات ولأنها لا تسقط بمضى الزمان, فأشبهت نفقتها في حياته وللشافعي قولان كالروايتين وينبنى على هذا الاختلاف فروع منها أنها إذا كانت المطلقة الحامل أمة, وقلنا: النفقة للحمل فنفقتها على سيدها لأنه ملكه وإن قلنا: لها فعلى الزوج لأن نفقتها عليه وإن كان الزوج عبدا وقلنا: هي للحمل فليس عليه نفقة لأنه لا تلزمه نفقة ولده وإن قلنا: لها فالنفقة عليه لما ذكرناه وإن كانت حاملا من نكاح فاسد أو وطء شبهة, وقلنا: النفقة للحمل فعلى الزوج والواطئ لأنه ولده فلزمته نفقته كما بعد الوضع وإن قلنا: للحامل فلا نفقة عليه لأنها ليست زوجة يجب الإنفاق عليها وإن نشزت امرأة إنسان وهي حامل, وقلنا: النفقة للحمل لم تسقط نفقتها لأن نفقة ولده لا تسقط بنشوز أمه وإن قلنا: لها فلا نفقة لها لأنها ناشز.
ويلزم الزوج دفع نفقة الحامل المطلقة إليها يوما فيوما ، كما يلزمه دفع نفقة الرجعية وقال الشافعي ، في أحد قوليه : لا يلزمه دفعها إليها حتى تضع ؛ لأن الحمل غير متحقق ؛ ولهذا : وقفنا الميراث وهذا خلاف قول الله تعالى : ولا تجب النفقة على الزوج في النكاح الفاسد لأنه ليس بينهما نكاح صحيح فإن طلقها أو فرق بينهما قبل الوطء فلا عدة عليها, وإن كان بعد الوطء فعليها العدة ولا نفقة لها ولا سكنى إن كانت حائلا لأنه إذا لم يجب ذلك قبل التفريق, فبعده أولى وإن كانت حاملا فعلى ما ذكرنا من قبل فإن قلنا: لها النفقة إذا كانت حاملا فلها ذلك قبل التفريق لأنه إذا وجب بعد التفريق, فقبله أولى ومتى أنفق عليها قبل مفارقتها أو بعدها لم يرجع عليها بشيء لأنه إن كان عالما بعدم الوجوب فهو متطوع به, وإن لم يكن عالما فهو مفرط فلم يرجع به كما لو أنفق على أجنبية وكل معتدة من الوطء في غير نكاح صحيح, كالموطوءة بشبهة وغيرها إن كان يلحق الواطئ نسب ولدها فهي كالموطوءة في النكاح الفاسد, وإن كان لا يلحقه نسب ولدها كالزانى فليس عليه نفقتها, حاملا كانت أو حائلا لأنه لا نكاح بينهما ولا بينهما ولد ينسب إليه. قال: [وإذا خالعت المرأة زوجها وأبرأته من حملها, لم يكن لها نفقة ولا للولد حتى تفطمه] أما إذا خالعته ولم تبرئه من حملها, فلها النفقة كما لو طلقها ثلاثا وهي حامل لأن الحمل ولده فعليه نفقته, وإن أبرأته من الحمل عوضا في الخلع صح سواء كان العوض كله أو بعضه, وقد ذكرناه في الخلع ويبرأ حتى تفطمه إذا كانت قد أبرأته من نفقة الحمل وكفالة الولد إلى ذلك, أو أطلقت البراءة من نفقة الحمل وكفالته لأن البراءة المطلقة تنصرف إلى المدة التي تستحق المرأة العوض عليه فيها وهي مدة الحمل والرضاع لأن المطلق إذا كان له عرف, انصرف إلى العرف وإن اختلفا في مدة الرضاع انصرف إلى حولين لقوله سبحانه:
قال: [والناشز لا نفقة لها فإن كان لها منه ولد, أعطاها نفقة ولدها] معنى النشوز معصيتها لزوجها فيما له عليها مما أوجبه له النكاح وأصله من الارتفاع, مأخوذ من النشز وهو المكان المرتفع فكأن الناشز ارتفعت عن طاعة زوجها, فسميت ناشزا فمتى امتنعت من فراشه أو خرجت من منزله بغير إذنه أو امتنعت من الانتقال معه إلى مسكن مثلها, أو من السفر معه فلا نفقة لها ولا سكنى في قول عامة أهل العلم منهم الشعبي, وحماد ومالك والأوزاعي, والشافعي وأصحاب الرأي وأبو ثور وقال الحكم: لها النفقة وقال ابن المنذر: لا أعلم أحدا خالف هؤلاء إلا الحكم, ولعله يحتج بأن نشوزها لا يسقط مهرها فكذلك نفقتها ولنا أن النفقة إنما تجب في مقابلة تمكينها, بدليل أنها لا تجب قبل تسليمها إليه وإذا منعها النفقة كان لها منعه التمكين فإذا منعته التمكين كان له منعها من النفقة, كما قبل الدخول وتخالف المهر فإنه يجب بمجرد العقد ولذلك لو مات أحدهما قبل الدخول وجب المهر دون النفقة فأما إذا كان له منها ولد فعليه نفقة ولده لأنها واجبة له, فلا يسقط حقه بمعصيتها كالكبير وعليه أن يعطيها إياها إذا كانت هي الحاضنة له, أو المرضعة له وكذلك أجر رضاعها يلزمه تسليمه إليها لأنه أجر ملكته عليه بالإرضاع, لا في مقابلة الاستمتاع فلا يزول بزواله.
وإذا سقطت نفقة المرأة بنشوزها فعادت عن النشوز والزوج حاضر, عادت نفقتها لزوال المسقط لها ووجود التمكين المقتضى لها وإن كان غائبا لم تعد نفقتها حتى يعود التسليم بحضوره, أو حضور وكيله أو حكم الحاكم بالوجوب إذا مضى زمن الإمكان ولو ارتدت امرأته سقطت نفقتها, فإن عادت إلى الإسلام عادت نفقتها بمجرد عودها لأن المرتدة إنما سقطت نفقتها بخروجها عن الإسلام فإذا عادت إليه, زال المعنى المسقط فعادت النفقة وفي النشوز, سقطت النفقة بخروجها عن يده أو منعها له من التمكين المستحق عليها ولا يزول ذلك إلا بعودها إلى يده, وتمكينه منها ولا يحصل ذلك في غيبته ولذلك لو بذلت تسليم نفسها قبل دخوله بها في حال غيبته, لم تستحق النفقة بمجرد البذل كذا ها هنا والله أعلم.
كفالة الطفل وحضانته واجبة لأنه يهلك بتركه, فيجب حفظه عن الهلاك كما يجب الإنفاق عليه وإنجاؤه من المهالك ويتعلق بها حق لقرابته, لأن فيها ولاية على الطفل واستصحابا له فتعلق بها الحق ككفالة اللقيط ولا تثبت الحضانة لطفل, ولا معتوه لأنه لا يقدر عليها وهو محتاج إلى من يكفله فكيف يكفل غيره, ولا فاسق لأنه غير موثوق به في أداء الواجب من الحضانة ولا حظ للولد في حضانته لأنه ينشأ على طريقته, ولا الرقيق وبهذا قال عطاء والثوري والشافعي, وأصحاب الرأي وقال مالك في حر له ولد حر من أمة: الأم أحق به إلا أن تباع فتنقل, فيكون الأب أحق به لأنها أم مشفقة فأشبهت الحرة ولنا أنها لا تملك منافعها التي تحصل الكفالة بها, لكونها مملوكة لسيدها فلم يكن لها حضانة كما لو بيعت ونقلت ولا تثبت لكافر على مسلم وبهذا قال مالك, والشافعي وسوار والعنبرى وقال ابن القاسم وأبو ثور, وأصحاب الرأي تثبت له لما روى عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن جده رافع بن سنان (أنه أسلم, وأبت امرأته أن تسلم فأتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: ابنتى وهي فطيم أو شبهه وقال رافع: ابنتى فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: اقعد ناحية, وقال لها: اقعدى ناحية وقال: ادعواها فمالت الصبية إلى أمها فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: اللهم اهدها فمالت إلى أبيها, فأخذها) رواه أبو داود ولنا أنها ولاية فلا تثبت لكافر على مسلم, كولاية النكاح والمال ولأنها إذا لم تثبت للفاسق فالكافر أولى, فإن ضرره أكثر فإنه يفتنه عن دينه ويخرجه عن الإسلام بتعليمه الكفر, وتزيينه له وتربيته عليه وهذا أعظم الضرر والحضانة إنما تثبت لحظ الولد, فلا تشرع على وجه يكون فيه هلاكه وهلاك دينه فأما الحديث فقد روى على غير هذا الوجه ولا يثبته أهل النقل, وفي إسناده مقال قال ابن المنذر ويحتمل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علم أنها تختار أباها بدعوته فكان ذلك خاصا في حقه فأما من بعضه حر فإن لم يكن بينه وبين سيده مهايأة, فلا حضانة له لأنه لا يقدر عليها لكون منافعه مشتركة بينه وبين سيده وإن كان بينهما مهايأة, فقياس قول أحمد أن له الحضانة في أيامه لأنه قال: كل ما يتجزأ فعليه النصف من كل شيء وهذا اختيار أبى بكر وقال الشافعي: لا حضانة له لأنه كالقن عنده وهذا أصل قد تقدم. قال: [والأم أحق بكفالة الطفل والمعتوه, إذا طلقت] وجملته أن الزوجين إذا افترقا ولهما ولد طفل أو معتوه فأمه أولى الناس بكفالته إذا كملت الشرائط فيها, ذكرا كان أو أنثى وهذا قول يحيى الأنصاري والزهري, والثوري ومالك والشافعي, وأبى ثور وإسحاق وأصحاب الرأي, ولا نعلم أحدا خالفهم والأصل فيه ما روى عبد الله بن عمرو بن العاص (أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابنى هذا كان بطنى له وعاء وثديى له سقاء, وحجرى له حواء وإن أباه طلقنى وأراد أن ينزعه منى فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنت أحق به ما لم تنكحي) رواه أبو داود ويروى أن أبا بكر الصديق, حكم على عمر بن الخطاب بعاصم لأمه أم عاصم وقال: ريحها وشمها ولطفها خير له منك رواه سعيد, في " سننه " ولأنها أقرب إليه وأشفق عليه ولا يشاركها في القرب إلا أبوه, وليس له مثل شفقتها ولا يتولى الحضانة بنفسه وإنما يدفعه إلى امرأته, وأمه أولى به من امرأة أبيه. فإن لم تكن الأم من أهل الحضانة لفقدان الشروط التي ذكرنا فيها أو بعضها, فهي كالمعدومة وتنتقل إلى من يليها في الاستحقاق ولو كان الأبوان من غير أهل الحضانة انتقلت إلى من يليهما لأنهما كالمعدومين. ولا تثبت الحضانة إلا على الطفل أو المعتوه, فأما البالغ الرشيد فلا حضانة عليه وإليه الخيرة في الإقامة عند من شاء من أبويه, فإن كان رجلا فله الانفراد بنفسه لاستغنائه عنهما, ويستحب أن لا ينفرد عنهما ولا يقطع بره عنهما وإن كانت جارية لم يكن لها الانفراد ولأبيها منعها منه لأنه لا يؤمن أن يدخل عليها من يفسدها ويلحق العار بها وبأهلها, وإن لم يكن لها أب فلوليها وأهلها منعها من ذلك.
|